English site www.aliamamdouh.com

مسؤولية التأزم في أوكرانيا

نعوم تشومسكي (*)
الحل الأمثل لسلامة أوكرانيا (والعالم) أن يكون على شاكلة الحياد النمسوي/ الإسكندنافي الذي مورس خلال الحرب الباردة، ما كان يُسمح لهذه البلدان بالانتماء إلى أوروبا الغربية على هواها، من دون السماح بنشر قواعد أميركية على أراضيها. قواعد كانت ستُعتبر تهديداً لها ولروسيا. بالنسبة إلى الصراعات الداخلية الأوكرانية، يوفّر اتفاق «مينسك 2» إطاراً عاماً.

كانت واشنطن قد تعهّدت لغورباتشوف «بأنّ الحلف الأطلسي لن يتوسّع ولو بوصة واحدة شرقاً»، وهو العهد الذي أخلفه كلينتون سريعاً، وبوش بإفراط. لم يكن ليتغيّر شيء، حتى لو تحوّل العهد الشفوي إلى وثيقة موقَّعة. فمرافعة الولايات المتحدة، هنا، لا ترقى حتى إلى مستوى الكوميديا. للولايات المتحدة احتقار مطلق للمبادئ التي تتغنّى بها. وهو ما يؤكده التاريخ الراهن مرة أخرى بطريقة فُرجوية. المشكل، بالنسبة إلى واشنطن، أعمق: كل حلول إقليمية تشكل تهديداً حقيقياً لدور الولايات المتحدة الدولي. وهو قلق ما انفك يتزايد منذ الحرب الباردة. فهل بوسع أوروبا أن تلعب دوراً مستقلاً في الشؤون الدولية؟ هل بوسعها أن تسير على خط ديغول، مع فكرة عن أوروبا الممتدة من البحر الأطلسي إلى جبال الأورال، وهي الفكرة التي أعاد غورباتشوف إحياءها في مرافعته، خلال 1989، عند حديثه عن «بيت أوربي مشترَك»، و«فضاء اقتصادي فسيح من البحر الأطلسي إلى الأورال»؟.
لم يكن، ساعتئذ، التفكير ممكناً في هذه الرؤية الواسعة لغورباتشوف، بوجود نظام أمني أوروآسيوي من لشبونة حتى فلاديفوستوك، ومن دون تكتلات عسكرية. وهي فكرة تم رفضها بالمطلق خلال المفاوضات، منذ ثلاثين سنة، بعد تصفية ما بعد الحرب الباردة. هو الأمر نفسه في المواجهة مع الصين: خرق الصين للقانون الدولي في البحار المجاورة، يطرح مشكلات جدية، رغم أن الولايات المتحدة، كقوة ملاحية، وباعتبارها البلد الوحيد الذي يرفض المصادقة على القانون الملاحي للأمم المتحدة، ليست في موقف قوة يسمح لها بمصارعة الصين.
في نظام مبني على القوانين، الولايات المتحدة هي من يصوغ القوانين.
لا أظن أن الولايات المتحدة ابتكرت طرقاً جديدة في الوحشية الإمبريالية الغربية. يكفينا النظر إلى أسلافها المباشرين في السيطرة على العالم. الغنى والسطوة العالمية للبريطانيّين مُتَأَتِّيَانِ من القرصنة (شخصيات مُؤَسْطَرَة كالسير فرانسيس دْرِيْكْ)، من نهب الهند بالمكائد والعنف، من الاستعباد البغيض، من أكبر شركة للمتاجرة الدولية بالمخدرات وأفعال أخرى تجاوزها «بهاءً»؛ فرنسا ليست أقل شأناً. أما بلجيكا، فقط حطمت الرقم القياسي في ما يخص الجرائم المروعة.
- عن موقع investigaction.net
(*) عالم لغويات أميركي وأهم دارسي الخطاب السياسي المعاصر

https://www.al-akhbar.com/Literature_Arts